meta connect 2025meta connect 2025

في عالم التكنولوجيا، هناك قصص تبدأ بوعود ضخمة، وتنتهي بمشاهد لم يكن أحد يتوقعها. قصة مارك زوكربيرغ مع النظارات الذكية واحدة من هذه الحكايات.
قبل أسابيع قليلة فقط، نشر الإعلام تقارير وتصريحات مثيرة للجدل، جاء في أحدها تحت عنوان مارك زوكربيرغ يبدأ مهمته للقضاء على الهاتف الذكي ، حيث رسم زوكربيرغ صورة مستقبلية جريئة: زمن الهاتف الذكي قد انتهى، والمستقبل سيُرى من خلف عدسات نظارات ذكية تحمل قوة الذكاء الاصطناعي.

لكن، وبينما كان العالم يترقب الخطوة الأولى في هذا الطريق، جاء حدث Meta Connect 2025 ليقلب التوقعات رأساً على عقب. ما كان يُفترض أن يكون عرضاً استثنائياً لبداية عصر جديد، تحول إلى مشهد مليء بالأخطاء التقنية، اللحظات المحرجة، والضحكات المكتومة من الجمهور.

الرؤية: قتل الهاتف الذكي بولادة النظارات الذكية

لنعد قليلاً إلى الوراء.
زوكربيرغ لم يخفِ أبداً طموحه في تجاوز مرحلة الهواتف الذكية. فهو يرى أن التحديق في شاشة صغيرة طوال اليوم أمر بدائي مقارنة بما يمكن أن تقدمه تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي.
تصريحاته الأخيرة كانت واضحة: “النظارات الذكية ليست مجرد أداة جديدة، إنها بديل كامل للهاتف الذكي.”

هذه الرؤية جذبت الانتباه لأنها لا تتحدث فقط عن تحسين تجربة المستخدم، بل عن قلب قواعد اللعبة. أن تتخيل عالماً نتحرك فيه دون الحاجة إلى إخراج هواتفنا من جيوبنا، حيث النصوص تُترجم أمام أعيننا، والإشعارات تظهر في مجال رؤيتنا، والاجتماعات تُدار عبر شاشة خفية.

الواقع: تجربة أولى محبطة

لكن في Connect 2025، حين ارتدى أحد المهندسين النظارات ليعرض ترجمة جملة بسيطة، كانت النتيجة صادمة.
النظارات توقفت فجأة، أعادت الجملة نفسها بالإنجليزية، ثم ترجمت كلمة واحدة بطريقة خاطئة. الحلم الكبير الذي صاغه زوكربيرغ أمام الإعلام تحوّل في لحظة إلى مشهد عبثي.

ولم يكن ذلك سوى البداية.
في التجربة التالية، حاول أحدهم جدولة اجتماع باستخدام المساعد الذكي في النظارات. لكن بدلاً من تنفيذ الأمر، جاء الرد الآلي: “أنا آسف، لم أفهم ذلك.”
الجمهور، الذي كان متعطشاً لرؤية المستقبل، وجد نفسه أمام عرض أقرب إلى نسخة تجريبية غير مكتملة.

الفجوة بين الحلم والتنفيذ

هنا يبرز السؤال الجوهري: كيف يمكن لشركة بحجم Meta، بميزانية هائلة ومهندسين من الصف الأول، أن تقع في هذا الفخ؟

الإجابة تكمن في الاستراتيجية. بينما ركز منافسوها مثل OpenAI وAnthropic وGoogle على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قوية ومستقرة أولاً، قررت Meta أن تبدأ من النهاية: المنتج النهائي.
اختارت أن تقدم عرضاً مسرحياً قبل أن تنضج التقنية نفسها. والنتيجة: منتجات غير مكتملة تحاول أن تحمل رؤية أكبر من طاقتها.

أثر الفشل على الثقة

الفشل في حدث عالمي لا يُقاس فقط بعدد الأخطاء التقنية، بل بوزن “الثقة” التي يخسرها.
المستثمرون يتساءلون: إذا لم تستطع Meta ضبط عرضها الرسمي، فكيف يمكن أن نثق بأنها قادرة على تحويل هذه النظارات إلى منتج جماهيري موثوق؟
والمستخدمون بدورهم بدؤوا ينظرون بريبة إلى كل وعود زوكربيرغ.

الثقة في مجال التكنولوجيا هي رأس المال الحقيقي. يمكنك أن تفشل تقنياً مرة، لكن إن فقدت ثقة الناس، فستحتاج سنوات لاستعادتها.

مقارنة مع الماضي والحاضر

من المفارقة أن زوكربيرغ نفسه في المقال السابق تحدث عن “ثورة” قادمة، وعن استعداده لمواجهة عمالقة التكنولوجيا الآخرين. لكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن Meta، بدلاً من أن تقود الثورة، قد تجد نفسها خارج الإيقاع.

منافسوها يسيرون بخطوات أكثر واقعية:

  • OpenAI تعمل على تطوير نماذجها وتوسيع تكاملها مع المنتجات اليومية.
  • Anthropic تبني Claude ليكون منصة عملية تساعد المستخدمين في أعمالهم اليومية بشكل ملموس.
  • Google تدمج Gemini تدريجياً في منتجاتها دون ضجة مبالغ فيها.

بينما Meta اختارت أن تبهر الناس بعرض أجهزة لم تنضج بعد، فكان الإبهار عكسياً.

هل انتهى الحلم؟

من المبكر القول إن حلم “القضاء على الهاتف الذكي” قد مات.
التكنولوجيا تتطور بسرعة، وMeta تمتلك الموارد الكافية لتعديل المسار. لكن ما حدث في Connect 2025 كان بمثابة جرس إنذار: لا يمكنك بناء المستقبل عبر عروض استعراضية فقط.

لكي تتحول النظارات الذكية من حلم إلى واقع، تحتاج Meta إلى إعادة التفكير جذرياً:

  • التركيز على جوهر الذكاء الاصطناعي قبل الشكل الخارجي.
  • اختبار المنتجات بدقة قبل عرضها عالمياً.
  • استعادة ثقة المستخدمين عبر خطوات عملية، لا وعود براقة.

الخلاصة

الربط بين الرؤية السابقة التي تحدث عنها زوكربيرغ وبين الفشل في Connect 2025 يكشف فجوة ضخمة بين الطموح والتنفيذ.
مارك وعد بعصر جديد ينهي عهد الهاتف الذكي، لكن ما رأيناه لم يكن بداية عصر جديد، بل تذكيراً قاسياً بأن الطريق إلى المستقبل مليء بالمطبات، وأن الوعود الكبيرة دون أساس تقني صلب قد تتحول بسرعة إلى عبء ثقيل.

وربما، حين يُكتب تاريخ الذكاء الاصطناعي بعد سنوات، سيتذكر الناس Connect 2025 ليس كنقطة الانطلاق، بل كلحظة توقفت فيها Meta لتتعلم أن الحلم وحده لا يكفي.


By احمد علي

مطور تطبيقات هواتف ذكية باستخدام Flutter، وصانع محتوى تقني يكتب عن الذكاء الاصطناعي والبرمجة وتطورات التكنولوجيا الحديثة. أسعى لتبسيط الأفكار المعقدة ومشاركة خبرتي مع المهتمين بالمجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *