من الـCD إلى الذكاء الاصطناعي: فلسفة البرمجة في التسعينات وولادة مفهوم “Vibe Coding”من الـCD إلى الذكاء الاصطناعي: فلسفة البرمجة في التسعينات وولادة مفهوم “Vibe Coding”

مقدمة: حين كانت البرمجة مغامرة وليست وظيفة

في التسعينات، كانت البرمجة تشبه ركوب مغامرة مثيرة أكثر من كونها عملية إنتاج برمجيات منهجية كما نعرفها اليوم.
لم تكن هناك مكتبات npm، ولا Stack Overflow، ولا نسخ فورية من GitHub.
كان المطوّر يقضي الساعات بين الكتب الورقية، والأقراص المدمجة (CD-ROMs)، والملفات النصية المليئة بالأكواد التجريبية.

في ذلك العالم القديم، كانت كلمة “كود جاهز” تعني حرفيًا كنزًا مكتوبًا بلغة C أو Pascal أو Delphi، ينتقل من مبرمج لآخر عبر أقراص مرنة أو مجلات البرمجة الشهرية.
ووسط هذه الفوضى المثيرة، وُلد ما يمكن تسميته اليوم بـ ” vibe coding “ — أسلوب يعتمد على الإحساس، التجريب، والاكتشاف أكثر من التخطيط أو القواعد الأكاديمية.


منطلق الفكرة: “الكود موجود في مكان ما… فقط ابحث عنه”

يصف كاتب المقال الأصلي تجربته الشخصية قائلاً إنه في منتصف التسعينات اكتشف قرصًا مدمجًا يحتوي على مئات المشاريع الكاملة،
من أدوات صغيرة إلى ألعاب متكاملة، جميعها جاهزة للتشغيل أو التعديل.

كان المشهد بسيطًا لكنه مدهش:

  • كل مشروع يضم مجلدًا رئيسيًا،
  • وملفات مثل PROMPT.TXT وSPEC.TXT وAPI.TXT وWHATSNEW.TXT،
  • وأحيانًا مجلدات مكتبات تحت مسار مثل lib/str/basic/pad/left/.

كل شيء منظم وواضح لدرجة أنك يمكنك تشغيل المشروع كما هو أو تعديل الكود لتناسب احتياجك.
حينها، أدرك الكاتب أن “البرمجة” لم تعد تعني كتابة كل شيء من الصفر، بل أصبحت تعني التركيب والتجميع والتجريب.


البرمجة كممارسة حسية: عندما يصبح المزاج جزءًا من العملية

مفهوم vibe coding لا يُقصد به “البرمجة الارتجالية” فحسب،
بل هو أسلوب عمل يعتمد على المزاج والتدفق الحر — أن تبدأ من فكرة صغيرة وتبنيها بالاعتماد على المكتبات أو المشاريع الجاهزة،
ثم ترى إلى أين يقودك الإلهام.

في التسعينات، كان المبرمج يعيش هذا الشعور فعلاً:
يجرب، ينسخ دالة من مشروع آخر، يعدّل قليلاً في واجهة المستخدم،
ويفرح حين تعمل اللعبة أو الأداة فجأة دون أخطاء.

لم يكن الهدف الكفاءة المطلقة أو المعمارية المثالية،
بل كان الهدف المتعة والابتكار والاكتشاف.

وهذا ما يجعل من تلك المرحلة روحًا مختلفة عن زمننا الحالي —
حيث أصبحت البرمجة مؤتمتة، معزولة داخل أطر العمل الصارمة، ومليئة بالتوثيق المملّ.


من الأقراص إلى GitHub: نفس الفكرة بثوب جديد

اليوم، عندما تفتح GitHub أو تبحث عن مكتبة في npm أو pub.dev،
فأنت تمارس الشيء ذاته الذي كان يحدث في التسعينات، لكن على نطاق عالمي.

الفرق أن القرص المدمج القديم أصبح الآن الإنترنت،
وأن البحث اليدوي بين المجلدات تحول إلى خوارزمية ذكاء اصطناعي تعرف مسبقًا ما تحتاجه.

لكن الجوهر لم يتغير:

  • لا أحد يبدأ من الصفر،
  • الكود يُعاد استخدامه،
  • والمشاريع تُبنى فوق مشاريع أخرى.

الكاتب يلمّح إلى فكرة مثيرة:

“ربما نحن نقترب من نهاية البرمجة كما نعرفها، لأن معظم الكود الذي نحتاجه مكتوب فعلاً.”

ورغم أن العبارة تبدو متطرفة، إلا أنها تعبّر عن تحول واقعي —
فاليوم، يمكن للمطور أن يبني تطبيقًا كاملًا دون أن يكتب أكثر من بضعة أسطر بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي وواجهات الـAPIs الجاهزة.


فلسفة الـVibe Coding: من “الكود المثالي” إلى “الكود الممتع”

يختلف vibe coding عن البرمجة التقليدية في أنه لا يسعى إلى المثالية الأكاديمية،
بل إلى تجربة إبداعية ومباشرة تشبه الرسم أو التأليف الموسيقي.

فيها مساحة للخطأ، للفوضى، وللتعلّم العفوي.
والكاتب يشير إلى ذلك بوضوح:

“في تلك الأيام، كان الخطأ جزءًا من العملية، لا كارثة يجب تجنّبها.”

الهدف لم يكن “إنتاج برمجية متينة”، بل “اكتشاف شيء جديد”.
وهذا الجوّ هو الذي ألهم جيلًا كاملًا من المبرمجين لخلق البرمجيات الأولى التي شكلت بدايات الإنترنت الحديث.


التشابه المدهش بين الماضي والحاضر

اليوم، مع ظهور أدوات مثل ChatGPT Code Interpreter أو GitHub Copilot أو Claude Code،
يعيش الجيل الجديد تجربة مشابهة تمامًا لما وصفه الكاتب في التسعينات —
لكن بدل قرص CD، لدينا نموذج لغوي ضخم،
وبدل مجلدات lib القديمة، لدينا ملايين المشاريع مفتوحة المصدر.

التسعيناتاليوم
مشاريع على قرص CDمشاريع على GitHub
مكتبات lib/ يدويةحزم npm وpub.dev
ملفات PROMPT.TXTوثائق README.md
البحث اليدويبحث ذكي بالذكاء الاصطناعي
التعديل النصي المباشرتوليد وتحرير كود بلغة طبيعية

النتيجة؟ نفس الفلسفة:
البرمجة كممارسة مرنة وإبداعية أكثر منها علمًا جامدًا.


الدروس المستفادة من تجربة التسعينات

  1. لا تبدأ من الصفر دائمًا
    ليس من العيب استخدام الكود الجاهز أو المشاريع السابقة،
    طالما أنك تفهم ما تفعل وتضيف قيمة جديدة.
  2. اقرأ التوثيق دائمًا
    في التسعينات، كان الملف SPEC.TXT هو دليلك الوحيد.
    اليوم هو README أو Wiki المشروع — لا تبرمج قبل أن تقرأه.
  3. استمتع بالرحلة، لا بالنتيجة فقط
    البرمجة ليست فقط “منتجًا نهائيًا”، بل هي رحلة استكشاف ذهنية.
    وهذا جوهر vibe coding الحقيقي.
  4. تقبّل الفوضى
    الكود الفوضوي في البداية هو بذرة فكرة عظيمة لاحقًا.
    لا تجعل الخوف من التنظيم يمنعك من البدء.

التحديات في عصر الـVibe Coding الحديث

لكن رغم سحر الفكرة، هناك تحديات واقعية لا يمكن تجاهلها:

  • فقدان الفهم الحقيقي: الاعتماد المفرط على الكود الجاهز أو الذكاء الاصطناعي يجعل المطور يجهل تفاصيل التنفيذ.
  • أمان وجودة الكود: المشاريع المفتوحة قد تحتوي على أخطاء أو أكواد خبيثة، خاصة عند النسخ العشوائي.
  • السطحية التقنية: الاعتماد على التوليد التلقائي يقلل من تطوير المهارات الأساسية.
  • التشتت: كثرة الأدوات والمكتبات تجعل المطور يقفز من فكرة لأخرى دون إكمال أي مشروع.

ولذلك، تبقى الحكمة في التوازن بين السرعة والعمق،
بين التجريب والفهم،
وبين المتعة والمسؤولية.


عندما يصبح الذكاء الاصطناعي الوريث الشرعي للتسعينات

ربما لم يدرك مطورو التسعينات أن ما كانوا يفعلونه —
البحث عن مشاريع جاهزة، تجميعها، تعديلها —
هو نفس ما تفعله أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم، ولكن بطريقة مؤتمتة بالكامل.

فالذكاء الاصطناعي يعيد استخدام المعرفة البرمجية القديمة،
ويقدّمها بشكل جديد وسلس.
إنه قرص الـCD الضخم للقرن الحادي والعشرين،
لكن بدلاً من 700 ميغابايت من المشاريع،
يحمل مئات التيرابايت من الخبرات البشرية.

وهنا المفارقة الجميلة:
البرمجة التي بدأت بالبحث اليدوي عن كود في التسعينات
عادت اليوم في شكل “بحث ذكي” داخل عقول الذكاء الاصطناعي.


الخلاصة: الماضي لم يمت… بل تطوّر

مقال “Vibe Coding in the 90s” ليس مجرد حنين تقني،
بل تذكير بأن البرمجة كانت دائمًا فعلًا إنسانيًا قائمًا على الفضول والإحساس قبل أن تكون علمًا رياضيًا صارمًا.

الفكرة التي بدأت في التسعينات — أن الكود موجود في مكان ما وعليك فقط أن تجده وتفهمه
هي نفس جوهر البرمجة اليوم،
سواء كان ذلك عبر GitHub، أو ChatGPT، أو Claude، أو أي أداة حديثة.

كل ما تغيّر هو الوسيط، أما روح البرمجة فبقيت كما هي:
فضول، اكتشاف، ومزاج جميل يدفعك لتجريب شيء جديد كل يوم.

مستوحى من Vibe coding in the 90’s

By احمد علي

مطور تطبيقات هواتف ذكية باستخدام Flutter، وصانع محتوى تقني يكتب عن الذكاء الاصطناعي والبرمجة وتطورات التكنولوجيا الحديثة. أسعى لتبسيط الأفكار المعقدة ومشاركة خبرتي مع المهتمين بالمجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *